بيان الشرع للعلامة محمد بن إبراهيم الكندي
د. سعيد بن سليمان الوائلي - كلية العلوم الشرعية -
من الكتب العمانية ما يبرز دورا لأصحابها، لا أقل من أن يكون في المجال العلمي، فكيف إن اتصل بعلم العقيدة وأصول الدين، فإن ذلك إنما يضيف قدرًا من الأهمية بما يوجه الإنسان إلى تقدير صاحبه بصورة أكبر، ويجلّ النظر إليه بصورة أعظم.
وإن مما ينبغي أن يشار إليه ويذكر أنّ بلدنا عمان شهدت في عهدها الأول من كبار العلماء، وممن يشهد لهم بالعطاء والإنتاج العلمي، وأنتجت لنا بعد ذلك من العلماء من أسهم بالكتابة في مختلف العلوم الشرعية، بما يخدم مجالات الحياة المختلفة، وكان ذلك بصورة متناسبة مع ما تمتعوا به من قدرة علمية ومعرفية، فإن هذا الأمر يجعلنا ننظر بفخر وإعزاز إلى البلد وأهله، كما ننظر بتقدير واحترام إلى العلم وأصحابه.
ومن الكتب العمانية التي حوت جانبًا من العقيدة الإسلامية كتاب بيان الشرع، الذي يعد موسوعة علمية عظيمة، ونقف في هذه السطور على عرض لهذا الكتاب وصاحبه.
مؤلف كتاب بيان الشرع هو العلامة محمد بن إبراهيم الكندي، السمدي النزوي (ت: 580هـ) ويكنى بأبي عبدالله. وهو أحد كبار أئمة العلم في عمان، حيث كان مرجع المسلمين وإمامهم في وقته، وبالإضافة إلى ذلك كان قاضيًا فقيهًا، وناظمًا للشعر. وقد كان واسع الاطلاع في العلوم الشرعية.
ومن أبرز آثاره العلمية غير بيان الشرع، قصيدة العبيرية، وهي قصيدة في وصف الجنة وما أعد الله تعالى فيها لأهلها، تقع في 83 بيتًا، وتعد من أروع القصائد الشعرية.
وكتاب النعمة أرجوزة طويلة في أصول الشريعة وفروعها، وقد ختمها بخاتمة في المواعظ والنصائح.
ومما يدل على مكانته العلمية هذه المرجعية التي جعلت له، فاعتباره مرجعًا للمسلمين وإمامًا للعلم يثبت تمتعه بمكانة عالية في أوساطهم.. ولذلك كان الاعتماد على كتابه بيان الشرع في حل المسائل والقضاء على كثير من المشكلات.
ولو أردنا أن نقتبس نصًا من نصوص كتاب بيان الشرع، وهو الجامع للأصل والفرع فإننا نجد مواضع النقل فوق الحصر والعد، ووقع النظر على هذا النص الذي ننقله من كلام الشيخ الكندي في بيانه، وذلك قوله: (لو أن جماعة، قلوا أو كثروا، ولو كانوا ألف عالم فما فوق ذلك أجمعوا جميعًا أن فلانًا أكل لحم ميتة من غير ضرورة، ثم اختلفوا بينهم، فقال بعضهم أن الآكل محقّ وأن ذلك له حلال. وقال بعضهم: إنه مبطل وأن ذلك حرام الأكل محرم حرام عليه. لكان المحقّ منهم من وافق الحكم فيه منهم والمبطل من هو خالف الحكم فيه.
فالمحق منهم محق لا يحتمل باطله وكذبه، والمبطل منهم مبطل لا يحتمل حقه ولا صدقه، ولا مخرج له من الباطل؛ لأن هذه الصفة لا تحتمل في دين الله إلا معنى واحدا، ولأن الله قد حكم فيها، ولم يعذر أحدًا بمخالفة حكمه فيها، ولأن الله كلف المتعبدين بها موافقة حكمه فيها وألزمهم ذلك، ولم يعذره بمخالفة حكمه فيها، لأن تلك الصفة هي حجة الله، فالحاكم فيها بخلافها محجوج خصم لها، ولدين الله، مفتر على الله الكذب).
وفي هذا النص نجد صاحب بيان الشرع العلامة الكندي، يربط ما بين الأصل والفرع، فحكم الناس باتفاقهم على فعل معين قد بيّن الله حكمه في كتابه لا يغير الحق والباطل، فصاحب الحق هو الموافق لحكم الله وهو المحق، وصاحب الباطل المخالف للحق الموافق للباطل فهو المبطل، وأن العمل إنما يكون بمقتضى الإيمان بحكم الله تعالى وما شرع في دينه، حيث يكون انطلاق الإنسان في عمله من مقتضى إيمانه، وهذا هو التكليف الشرعي للمتعبدين في دين الله.